الشيخ محمد رفعت ملك عرش دولة التلاوة… – جريدة اخر الاسبوع

الشيخ محمد رفعت ملك عرش دولة التلاوة…

محمد حسن حمادة يكتب:
الشيخ محمد رفعت ملك عرش دولة التلاوة…
هو سادن القرآن الذي لم يتكسب منه قط، صوت من السماء، صوت تعشقه الملائكة، صوت يأخذك إلي الجنة، صوت همزة وصل بين السماء والأرض، صوت تعلقت به الأهداب والأفئدة، الصوت الذي سحر الألباب والنفوس ،حفر مكانه في القلوب والذاكرة، فهو صوت يشرح آيات القرآن الكريم دون شرح، ويشرح الصدور بدون استئذان، ارتبط صوته معي بذكريات وأحداث ومناسبات طيبة منذ نعومة أظفاري وإلي الآن لاأستيقظ إلا علي صوته الملائكي ولا أعرف طعماً لشهر رمضان بدون صوته ولا أفطر إلا علي صوت آذانه للمغرب.
لم يعتمد الشيخ محمد رفعت علي موهبته الضخمة التي حباه بها رب العزة سبحانه وتعالي بل تعمق في دراسة علم القراءات والتفسير والتجويد، كما كان شغوفاً بدراسة المقامات الموسيقية، فدرس موسيقى بيتهوفن وموزار وفاجنر وشوبرت واسطوانات منيرة المهدية وبعض الأسطوانات التركية،وكان لديه مكتبة يحتفظ فيها ليس بالكتب الدينية وكتب التجويد والقراءات وكتب التفاسير فحسب بل كان يحتفظ أيضا في هذه المكتبة بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية لذلك كان أسلوبه فريداً مختلفاً مميزاً عن قراء عصره في تلاوته للقران ُيظهر الجمال والإبداع الموسيقي لطلاوة وحلاوة وعذوبة القرآن الكريم.
وعندما اُفتتحت الإذاعة المصرية في 31 مايو 1934 لم تجد بالطبع إلا صوت الشيخ محمد رفعت ليفتتحها ويباركها بصوته العذب الشجي ليقرأ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}، وقبل ذلك استفتى الأزهر وهيئة كبار العلماء عما إذا كانت إذاعة القرآن حلالاً أم حراماً؟
فجاءت فتواهم بأنها عين الحلال،فقد كان الشيخ يخشى أن يستمع الناس إلى القرآن وهم في الحانات والملاهي.
أثناء الحرب العالمية الثانية كانت هناك حرباً من نوع آخر علي الشيخ حيث تنافست إذاعات العالم الكبرى كإذاعة برلين، ولندن، وباريس أثناء الحرب العالمية الثانية لتستهل افتتاحها وبرامجها العربية بصوت الشيخ محمد رفعت لجذب عدد أكبر من المستمعين، إلا أن الشيخ لم يكن من طلبة المال.
كان الشيخ رفعت عفيفاً يرفض التكسب بالقرآن فعندما دعاه المهراجا الهندي حيدر أباد لقراءة القرآن بالهند وترتيل القرآن في حفلات يوبيله مقابل 15ألف جنيه رفض العرض بشدة وخاصة عندما علم بنية حيدر أباد بأنه لن يترك الشيخ يغادر الهند ويعود إلي مصر ثانية فتوسط الموسيقار محمد عبدالوهاب لإقناعه بالسفر وأغراه بالاستعداد لمرافقته في تلك الرحلة إلا أن الشيخ كان مصمماً علي الرفض وعدم قبول الدعوة.
كما عرض عليه الموسيقار “محمد عبد الوهاب” مراراً وتكراراً أن يسجِّل له القرآن الكريم كاملاً مقابل أي أجر يطلبه، فاعتذر الشيخ خوفًا من أن يمسَّ أسطوانة القرآن سكران أو جُنُب.
تظهر عفة الشيخ في موقف آخر عندما اشتد عليه المرض في يوليو عام 1949 نشرت مجلة المصور خبراً عن مرض الشيخ محمد رفعت فأعلن الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ أحمد الصاوي عن فتح إكتتاب لعلاج الشيخ محمد رفعت وجمع التبرعات فأثار ذلك الخبر حزن محبيه والمعجبين بصوته فتم جمع ما يزيد عن خمسين ألفاً من الجنيهات وكان مبلغاً كبيراً وقتها وعندما علم الشيخ بذلك قال : أنا مستور والحمد لله ولست في الحالة التي تستوجب جمع هذه المبالغ وإذا كان على العلاج فالأطباء يعالجونني ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه كما ان هذه المبالغ أصحابها أولى بها مني فهم الفقراء والمحبين لصوتي حقاً ولكني والحمد لله لست في حاجة إلى كل هذا المال ثم كتب إلي الأستاذ الصاوي رسالة يعتذر فيها عن قبول هذه التبرعات.
ومما جاء فيها :مرضي بيد الله وهو القادر على شفائي وإني لأشكرك وأرجو أن تشكر كل الذين جمعوا لي هذه التبرعات على روحهم الطيبة وحبهم لي.
فلما وصلت الرسالة إلى الأستاذ أحمد الصاوي كتب بجريدة الأهرام يثني على عفة الشيخ رفعت وأخلاقه وتأثير القرآن عليه في سمو نفسه وعلوها وكانت مقولته الشهيرة “إِن سادِن القرآن لا يمكن أبدا أَن يُهان أَو يُدان”
حاول بعض أصدقائه المقربين ومحبيه أن يجمعوا له بعض الأموال لتكاليف العلاج فرفض التبرعات التي جمعت له، وفضل بيع بيته الذي كان يسكن فيه بحي البغالة في السيدة زينب وقطعة أرض أخرى، لينفق على مرضه. فتوسط صديقه الشيخ أبو العنين شعيشع لدى وزير الأوقاف آنذاك الدسوقي أباظة باشا، فقرر له معاشاً شهرياً، وقد توفي رحمه الله بعد ذلك بعام واحد والمفارقة أن تكون وفاة الشيخ محمد رفعت يوم الإثنين 9 مايو 1950، نفس التاريخ الذي ولد فيه، عن عمر يناهز ال68 عاماً قضاها في رحاب القرآن الكريم.
لذلك انتشرت هذه المقولة “نزل القرآن بمكة، وطبع باسطنبول وقرئ بمصر” نظراً لماحوته مصر من الكنوز واللآلئ والأصوات الأسطورية الندية التي قلما تتكرر أو يدانيها أصوات أخري في أي بقعة من العالم.
لذلك كان صوت قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت سبباً لإسلام الكثير والكثير عندما سمعوا هذا الصوت الجميل، ففي ذات يوم التقى الأستاذ “علي خليل” شيخ الإذاعيين، وكان بصحبته ضابط طيَّار إنجليزي بالشيخ رفعت، فأخبره الأستاذ “علي خليل” أن هذا الضابط سمع صوته في “كندا”، فجاء إلى القاهرة ليرى الشيخ رفعت، ثم أسلم هذا الضابط بعد ذلك، رحم الله كبير وعملاق وأسطورة دولة التلاوة، وسادن القرآن، ومجدد شباب الإسلام، سيد قراء زمانه بل سيد قراء الأزمان كلها إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها الشيخ الجليل محمد رفعت…

Please follow and like us:
Pin Share
اترك رد
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email