السيناريو  الأخيرة لإنقاذ أوروبا والعالم من حرب نووية مدمرة – جريدة اخر الاسبوع

السيناريو  الأخيرة لإنقاذ أوروبا والعالم من حرب نووية مدمرة

بقلم : يوحنا عزمي

في اعتقادي ان الرئيس الروسي بوتين واقع الآن في مأزق صعب للغاية حتي وان حاول تصوير موقفه امام شعبه وامام العالم علي خلاف ذلك ، وبأنه ما يزال يمسك في يده بزمام المبادرة في كل ما يتعلق بإدارته لحربه في أوكرانيا ..
فرهاناته المبدئية التي بني عليها توقعاته وحساباته لقراراته وجعلته واثقا من قدرته علي حسم نتائج هذه الحرب بصورة خاطفة وغير مكلفة ، خابت وفشلت وانتهت به إلي عكس ما كان يتوقعه سواء اعترف بذلك او انكره.
فعمليته العسكرية المحدودة ، كما اطلق عليها ، انتهت بتوريطه
في حرب استنزاف طويلة ومفتوحة علي كل الاحتمالات ، وهو
ما لم يكن يريده نظرا لما ينطوي عليه توسيع إطار هذه الحرب وإطالة امدها من مخاطر شديدة وتكاليف فادحة وتداعيات وعواقب كثيرة يصعب تخمينها او التكهن بها ، وكذلك لاستحالة تطبيق نظرية الأرض المحروقة التي استخدمها بوتين في اوكرانيا علي دول حلف الناتو لأنها سوف تفضي لا محالة إلي نشوب حرب نووية عامة ، وهي حرب تدمير شامل وإبادة تامة للجميع ، حرب
لا منتصر فيها ولا مهزوم.
ومع اشتداد وطأة هذه الحرب وخروجها عن مسارها الضيق الذي انطلقت منه ، لم يعد الرئيس بوتين يعرف كيف يمكنه ان يكسر وحدة دول الناتو ودول الإتحاد الأوروبي وتكتلهم ضده بهذه الصورة غير المسبوقة وذلك فيما إذا استثنينا عدم استجابة البعض منهم لقرار حظر ما يحصلون عليه من روسيا من إمدادات النفط والغاز الطبيعي لصعوبة توفير البديل الفوري المناسب ، وهو موقف سوف يتغير مع الوقت لتكتمل بعده حلقات المقاطعة والحظر الشامل لاحد اهم موارد روسيا من العملات الصعبة.
لكن يبقي الإحتمال الأرجح والأهم من كل ما سبق ، وهو ان ضغوط حلف الناتو الأمنية علي روسيا سوف تتصاعد بوتيرة اسرع واقوي مع زيادة حجم الإنفاق العسكري والموازنات التسليحية لدي الكثير من دول الناتو ، واتجاههم إلي تطوير منظوماتهم من الأسلحة عالية الدقة ، وهو ما يجيئ كرد فعل مباشر لحرب روسيا في اوكرانيا وبسبب تزايد مخاوفهم الأمنية من جراء تصاعد تهديدات قوة روسيا العسكرية المتعاظمة لامنهم ..
وهو ما يعني ان حلف الناتو بصدد تحولات إستراتيجية بالغة الأهمية سوف يكون من ابرز سماتها التحول من مفهوم الترقب الحذر إلي مفهوم التدخل النشط ، ومن مفهوم المهادنة إلي مفهوم الاستعداد الدائم للمواجهة ، ومن مفهوم الدفاع والردع إلي مفهوم الهجوم الاستباقي عند الاقتضاء ، الخ.
فإذا اضفنا إلي ذلك الخطر الذي سوف يشكله إنضمام فنلندا والسويد الوشيك إلي الناتو بكل ما سوف ينطوي عليه هذا الإنضمام من تمكين الناتو من الزحف نحو الحدود الروسية باسلحته النووية وبمنظومات صواريخه الباليستية وبقواعده العسكرية المتقدمة لادركنا حجم الاخطار والتهديدات التي ستواجهها روسيا خلال الفترة المقبلة.
وهي تطورات لم يعد بمقدور الرئيس بوتين منعها او ردعها ..
فهي اقوي منه وسوف تفرض نفسها عليه فرضا ، وسوف تدخله
في دوامة جديدة من سباقات التسلح المكلفة للرد بها علي كل تلك التهديدات التي لم يكن يتصور ان حربه المحدودة علي اوكرانيا سوف تقود إليها.
ومن هنا سوف يجد الرئيس بوتين نفسه مرغما علي البحث
عن مخرج له من ورطة حربه في اَوكرانيا ، لكن مشكلته هي
أنه لا يستطيع ان يفعل ذلك بقرار منفرد من جانبه وهو ما يزال
بعد في منتصف الطريق ولم يصل إلي هدفه المعلن من حربه
وذلك لسببين جوهريين ..
أولهما ، هو ان توقفه وانسحابه سوف يفقده شعبيته في بلده لأن الشعب الروسي سوف يعتبر هذا القرار بالتكلفة الفادحة التي دفعت فيه من حصار ومقاطعة وعقوبات هو مؤشر فشل بطعم الهزيمة.
وثانيهما ، هو ان الغرب لن يُمكنه من ذلك ولن يدعه يهرب من اوكرانيا وكأنه هو وحده صاحب القرار ببدء الحرب وانهائها ، وانما سيلاحقه وسوف يرغمه علي الاستمرار في حرب استنزاف دامية وممتدة ومكلفة بما يفوق طاقته علي احتمالها ، ولن تتوقف إلا بعد ان يكون الغرب قد حقق هدفه منها وهو إلحاق الهزيمة ببوتين وافشال كل ما راهن عليه او خطط له من اهداف ، وهو ما قد تكون فيه نهايته كرئيس لروسيا ، وهو الهدف الإستراتيجي الكبير الذي تدور حوله كل رهانات الغرب الآن.
ولا يبقي غير خيار أخير لإخراج بوتين من مازقه ، وان كنت استبعده ولا ارجحه لكل الاسباب التي سلفت الإشارة إليها وهو
ان يبادر الغرب من خلال مناورة محسوبة ، علي مد حبل الانقاذ إلي الرئيس بوتين في صورة صفقة امنية وسياسية شاملة تهدئ مخاوفه بشأن ما يمثله امتداد خطر الناتو إلي حدوده بضمانات أمنية معينة وبتعهدات والتزامات متبادلة بين روسيا وحلف الناتو وتؤكد علي وضع اوكرانيا كدولة محايدة بصورة دائمة ..
صفقة تُخرج روسيا من أراضي اوكرانيا بمكاسب إقليمية محدودة وغير مؤثرة في مقابل التزامها بتعويض اوكرانيا عن خسائرها بسبب حربها عليها وذلك من اجل إعادة بنائها واعمارها ، علي
ان يتزامن مع ذلك انهاء العقوبات المفروضة علي روسيا برفعها تدريجيا وعلي مراحل مع تقدم عملية انسحابها من الأراضي الأوكرانية وفق الجداول الزمنية المحددة لهذا الانسحاب ..
وقد يحقق مثل هذا الحل المتوازن الإستقرار الأمني في اوروبا لفترة طويلة قادمة يتم خلالها بناء جسور جديدة لإعادة الثقة
بين كل تلك الأطراف ودفع العلاقات المتبادلة بين الطرفين الغربي والروسي في مسارات تعاونية جديدة وعلي قاعدة اقوي من المصالح المشتركة.
وهذا السيناريو فيما نتصور قد يكون فرصة أخيرة لإنقاذ اوروبا والعالم من حرب نووية مدمرة قد تندلع بدون سابق تخطيط وان كانت تراودني شكوك كثيفة في أنه سوف يجد طريقه يوما إلي التنفيذ ، ولنبقي أمام علامة استفهام كبيرة وهي ماذا بعد ، وإلي اين نحن ذاهبون مع هذه الحرب التي لم يكن ثمة ما يدعو إلي نشوبها من الأساس .

 

 

 

 

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email