لقد كان في قصصهم عبرة – جريدة اخر الاسبوع

لقد كان في قصصهم عبرة

متابعة / ممدوح السنبسى

تحار الكلمات في صياغة عِظم الرجل وتِبيان قدره، وهو الصاحب، والعتيق، والصديق والخليل، أشارت له الآيات بلا تصريح في قوله تعالى:

{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

وقيل إنه المقصود بقوله في الآية {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى} قال ابن عباس: هو أبو بكر – رضي الله عنه – يزحزح عن دخول النار .

هو أول حر أسلم بلا تردد، وهو أول من بذل ماله في نصرة الإسلام، الكلام في حقه قربة يتقرب بها إلى الله جل وعلا، عظيم القدر رفيع المنزلة.

نصر رسولنا يوم خذله الناس، وآمن به يوم كفر به الناس، وصدقه يوم كذّبه الناس، هو أولُ الخُلفاء الراشدين، وأحد العشرة المُبشرين بالجنَّة، وهو وزيرُ الرسول مُحمد وصاحبهُ، ورفيقهُ عند هجرته إلى المدينة.

إنه عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.

وينتهي نسبه إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ويلتقي في نسبه مع النبي عند مرة بن كعب، وينسب إلى “تيم قريش“، فيقال: “التيمي”.

كان يُسمَّى في الجاهلية “عبد الكعبة“؛ فسماه النبي عبد الله، ولقّبه عتيقا؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال له: أنت عتيق من النار.

قال عنه النبي: “إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته”.

وثبت عن عمر – رضي الله عنه – قال: “أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله” وكان رفيق رسول الله في مكة والمدينة وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله.

دفع رسول الله رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر، وكان ممن ثبت مع رسول الله يوم أحد حين ولى الناس.

وكان لحب الناس له وإِلفهم إياه أثر كبير في استجابة الكثيرين منهم للإسلام؛ فقد أسلم على يديه عدد من كبار الصحابة، منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وغيرهم من أهل مكة.

قال وكيع: “لولا أبو بكر الصديق لذهب الإسلام” وكيف لا وهو الصاحب في الهجرة وهو الرفيق في الرحلة وهو الأتقى والأنقى والأقوى”.

نظر في الهجرة إلى أقدام المشركين على باب الغار، فهمس إلى النبي: “لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا، فرد النبي بإيمان وسكينة: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لقد كان ثانى اثنين الله ثالثهما فيال الشرف”.

رغم ما عرف به في حياته من رقة ووداعة إلا أنه القوي حين العصف والحاسم حين الرجف والجسور في الحق.

يوم ممات المصطفى قام رضي الله عنه بقلب ثابت وفؤاد شجاع وجمع الله له بين الصبر واليقين يقترب من جسد النبي المُسجّى، فيكشف عن وجهه، ويكب عليه يقبله، وهو يقول: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله طبت حيا وميتا”.

ثم أتى المسجد فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: “أما بعد أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”.

ثم قرأ: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين” فخرج الناس يتلونها في سكك المدينة كأنها لم تنزل إلا ذلك اليوم.

هو الذى راجعه الصحابة في قتال المرتدين فتصدى لهؤلاء المرتدين بشجاعة وجرأة وإيمان، وحاربهم بالرغم من معارضة بعض الصحابة له.

وكان بعضهم يدعوه إلى الرفق بهم والصبر عليهم، فيجيب في عزم قاطع: “والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، والله لأقاتلن من فرَّق بين الزكاة والصلاة.

كان أول أمر أصدره بعد أن تمت له البيعة هو إنفاذ جيش أسامة الذي جهزه رسول الله قبيل وفاته لغزو الروم، والذي كان يضم كبار الصحابة والمهاجرين والأنصار، رغم مراجعة بعض الصحابة له فى الأمر أيضًا.

فترة خلافته لم تدم أكثر من عامين وثلاثة أشهر، وبالرغم من ذلك فإنها كانت مكدسة الأحداث والحوادث الجسام التي كادت تعصف بدولة الإسلام في مهدها، لولا أن قيّض الله لها أبو بكر بقوته ورجاحة عقله ويقينه وحكمته.

فقد كان الصدّيق طرازًا فريدًا من الرجال، امتزجت فيه الشدة بالرحمة، والحكمة بالقوة، واللين بالحزم، وكان معبّرا للرؤيا.

وقال محمد بن سيرين إنه “المقدم في هذا العلم بالاتفاق” كما كان من أفصح الناس وأخطبهم، وقال له عمر رضي الله عنه “يا خير الناس بعد رسول الله”.

هو منذ الجاهلية يتميز برجاحة العقل وسداد الرأي، وكان لا يشارك قومه في عقائدهم وعاداتهم، فلم يشرب خمرًا قط، وكان وجيها من وجهاء قريش ورؤسائها، عارفا بالأنساب بل أعلم قريش بها، وقد كانت إليه الديات في الجاهلية.

وصفته ابنته عائشة أم المؤمنين أنه رجل أبيض نحيف خفيف العارضين، وكان بارز عروق الوجه وغائر العينين بارز الجبين، ودقيق الساقين ومائل الظهر، وكان يخضب لحيته ويكتم (يُحَنّي الشيب).

وكان وجيهًا ذو تجارة ومال أنفقها كلها فى نصرة الاسلام وعتق المعذبين من المسلمين كبلال بن رباح وغيره.

جل أن يجمع قدره مقال وأن يشمل شمائله كتاب، وحسبه ماقاله في حقه الحبيب من أحاديث كثيرة قدرت سبقه، ويكفى تقديمه ﷺ _في مرضه الأخير_ له للصلاة بالمسلمين،.

رثاه عمر فقال: “رحم الله أبا بكر فقد كلف من بعده تعبا”.

أثاب الله خليفة رسول الله عن أمة الإسلام خيرًا..

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email