الكل يقول أحبك – جريدة اخر الاسبوع

الكل يقول أحبك

بقلم: هشام المغربي

نحن أمام عمل روائي هام هو آخر أعمال الأديبة المبدعة د. مي التلمساني، أستاذة الدراسات العربية والسينمائية بجامعة أوتاوا بكندا والحاصلة على وسام الفنون والآداب برتبة فارس من الحكومة الفرنسية لهذا العام 2022.

ترجمت روايتها الأولى “دنيا زاد” إلى أكثر من ثمان لغات أجنية، وحصلت على جائزة الدولة التشجيعية لرواية السيرة الذاتية عام 2022.

مي التلمساني تعيش في كندا وقلبها معلق بمصر، تعيش أحلامها وتشعر بآلامها، لم تستطع كندا أن تمحو شرقيتها ولم تستطع مصريتها الشديدة أن تمحو عنها الفراكفونية الواضحة في هذا الخليط النادر بين الإثنين.

هذا العمل الذي أتناوله في هذا المقال “الكل يقول أحبك”، تنقلنا مي التلمساني من أوتاوا إلى تورونتو إلى مونتريال ثم تعود بنا إلى وندسور بمقاطعة اونتاريو ثم كيبك، وتذهب بنا بعيدا إلى روان نوراندا تجعلنا نشعر ببرودة الطقس نكاد نرى الثلوج البيضاء بين سطور، كلماتها الرشيقة ودفء مشاعر أبطالها في سرد ممتع وقراءة دقيقة لكل من حولها من أشخاص، فهي تتفحص في شرح وافي بعض العرب والأجانب في مجتمع المهجر، تقرأ ما يدور في عقولهم أو ما يعتمل في قلوبهم، وإذا كانت اللغة هي أهم أدوات الكاتب فنحن أمام كاتبة تملك ناصية الكلمة، وتجيد السرد و الحوار بتلقائية شديدة ولغة عربية بديعة.

يقول تنسي وليامز : عملي هو الإصدار الوجداني من سيرتي الذاتية لا علاقة لها بالأحداث الفعلية في حياتي، إنه يعكس فقط التيارات الإنفعالية خلالها.

هكذا تسير تلك الرواية نحو هذا المنحى الذي ذكره وليامز، فالأمر يتعلق بإثارة الاستجابة العاطفية لدى القاريء وهو ما نجحت به إلى حد بعيد، فهي كاتبة قد رشفت من رضاب الحياة بعسلها ومرها، نلاحظه جلياً في أدق تفاصيل النفس البشرية.

يساورني شعور أن مي التلمساني تأثرت بشكل كبير بالأدب العربي وخاصة ألف ليلة وليلة بين ثنايا أعمالها أجد ألف ليلة تطل علينا بين الفينة والفينة ربما كان هذا ماجال بخاطري وأنا أقرأها ربما أيضاً استشعرت تأثرها بالكاتب الفرنسي اندريه موروا وكتابه سبع وجوه للحب لا شك أن مي تأثرت بالأدب والسينما معاً بحكم دراستها ونشأتها وفي هذه الرواية تتقاطع المشاهد وتتلازم كأننا أمام فيلم سينمائي نتابعه بشغف حتى النهاية.

كما سأعرض هنا في هذا العرض الموجز .

تقسم الرواية إلى خمسة فصول هي على الترتيب: كمال المصري – كريم ثابت – نورهان عبد الحميد – داينا سليمان – بسام الحايك .

يربط بينهم جميعاً خيطاً واحداً هو الحب والعلاقات الخاصة في حياة كل منهم بين النجاح والفشل بين الصعود والهبوط بين الأمل والإحباط، نسجت مي بقلمها بينهم علاقات التعارف والتلاقي بحنكة كبيرة بين المطارات والطائرات والسيارات والكافيهات، تتغلغل في النفس البشرية لشخصياتها كمحلل وجداني للرجال والنساء على السواء .

تبدأ الرواية بكمال المصري الرجل الذي تجاوز هو وزوجته الستين عاماً ومشاعره تجاه الزوجة التي ربما نضبت الرغبة بينهما وتلاشت المعاشرة الزوجية تماماً إلا أن علاقة الحب والمودة والعشرة لم تزل قائمة يشتاق إليها كلما غادر تورنتو إلى مدينة وندسور حيث يعمل بجامعتها ويذكر كيف التقى بصديقته آيلين الأيرلندية الأصل في فترة من فترات حياته كما يذكر معاشرته لها، ولينا عقاد السورية التي أحبها حباً طاغيا بعد انتصاف الخمسين من عمره، لحظات تسجيلية لمشاعر رجل جاوز الستين من العمر .

ثم كريم ثابت وزوجته نورهان عبد الحميد التي يخونها مع أليشيا البولندية الأصل وتغار منها نورهان وتستشعر ما بينهما من علاقة بحدس المرأة الحاذق.

ثم العلاقة بين نورهان وبسام الحايك قبل زواجها من كريم ثابت وتعلقها الشديد به ورغبتها في الزواج منه ورفضه لذلك حباً لزوجته المريضة التي لا يريد جرحها أو إيذائها وارتباطه بابنته الوحيدة واحتياجها إليه في سن المراهقة.

ثم داينا سليمان السورية الحلبية التي تعمل بالتصوير الفوتوغرافي و نجحت في اقتناص بسام الحايك كزوجة بعد سنوات طويلة كعشيقة طال انتظارها ولكنها صبرت حتى حققت ما خططت له.

ثم أخيراً بسام الحايك هذا الرجل السوري الهارب من سوريا كلاجىء سياسي هربا من الاضطهاد بعد مجزرة حماة حيث القتل والتدمير والهدم الذي الحقه حافظ الأسد بالبلدة, وهو ناشط سياسي يساري حالم بالاشتركية والوحدة العربية عاش في صباه كارثة أيلول الأسود, لقي شقيقيه مصرعهم، الأول في إربد عام 1970 مجند في فصائل الجيش السوري المساند لمنظمة التحرير في الأردن , ولحق به الثاني خلال الحرب الأهلية في لبنان عام 1981 في معركة زحلة.

رحلة هروبه من سوريا كانت مغامرة على كل الأحوال, عبر براً من دمشق إلى عمان ومنها إلى باريس بتأشيرة مزورة ومنها إلى مونتريال وهناك مزق جواز سفره ولجأ إلى ضابط الحدود كلاجىء سياسي.

يعمل محرراً صحفياً بالجريدة التي يعمل بها والد نورهان أحب وعاشر نورهان وداينا سليمان وأقنع كل منهن أنه عاشق لها بمفردها بعد زوجته التي يشفق عليها لمرضها .

ملت نورها ن من انتظاره، وبحثت لنفسها عن زوج وأسرة واستقرار حتى ولو دون حب ربما يأتي الزواج وهو ماحدث.

كل ما يطلبه بسام الآن في هذه السن بعد رحلة كفاح طويلة بعد وفاة زوجته وزواج ابنته هو أن يعيش نزواته كلما صادف بنتاً حلوة أو سيدة جذابة يعيش معها أحلام شبابه الذي كان وقد شارف الآن على الذبول, يعيش ولو لفترة قصيرة حتى تنتهي تلك العلاقة ليبدأ في مغامرة جديدة.

فكرة الخيانة الزوجية في العمل رغم أنها أتت من الرجال إلا أن الخيانة دائماً رجل وأنثى ليست المرأة بعيدة أيضا عن الخيانة وكيف يخون الرجل بلا أنثى تشاركه الخيانة.

أما الحب فأجده موجودا لدى كل الرجال الذين أتى ذكرهم في هذا العمل رغم حبهم الشديد لزوجاتهم إلا أن الأمر لا يخلو من مغامرة عاطفية، أو ممارسة غير مشروعة عابرة أو قصة حب لفترة من الزمن، حتى وإن استمرت لسنوات فهو في قرارة نفسه يعرف أنها سرعان ما تنتهي ليعود إلى الحبيبة والزوجة، قد يجد بعض الرجال أن الخيانة أمرا طبيعياً لطبيعتهم وهي مختلفة كثيراً عن طبيعة المرأة التي تعيش بكل جوارحها مع من تحب ولا ترى غيره في الحياة حتى يفتر هذا الحب وهنا قد تسمح لنفسها بالخيانة.

ما أعجبني في الرواية كيف نسجت مي التلمساني هذا الرباط بين كل هؤلاء رغم التباعد الزمني لكل منهم عن الآخر والتباعد النفسي والعاطفي والمكاني,عمل روائي ممتع استمتعت به.

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email