مصطفى نجيب يكتب ثنائية الوعي والوجود – جريدة اخر الاسبوع

مصطفى نجيب يكتب ثنائية الوعي والوجود

مصطفى نجيب يكتب ثنائية الوعي والوجود

 

كتب / مصطفى نجيب

 

قد يبدو للوهلة الأولى أن قدر الإنسان الأكبر هو الوجود بحد ذاته، أي أن يكون موجوداً ، ولكن بقليل من التأمُّل سنرى أن الوعي بهذا الوجود هو القدر الحقيقي.

 

نحن لا نعرف ما إذا كانت الكائنات والأشياء الأُخرى التي تشاركنا الوجود، تملك هي أيضاً كلها – أو بعضها-، وبطريقتها الخاصة، ما يمكن أن ندعوه وعيها الذاتي بوجودها.

 

ولكن من المؤكد أننا -أو للدقة – الكثير منا على الأقل يدرك تلك الحقيقة التي تبدو في منتهى البداهة، إلى درجة أن البعض قد لا يرى داعٍ لذكرها، والمتمثلة في أننا لسنا نملك وجوداً وحسب، وإنما وجود ووعي بهذا الوجود.

ومع ذلك، فهناك مشكلة في هذه الحقيقة، وهي كيف يمكن الفصل بين خاصيتي الوجود والوعي بالنسبة للإنسان.

فالإنسان بما أنه – بالتعريف -كائن واعي، فإن وجوده إذن يشتمل دائماً على وعيه. أي لا يمكننا التفكير في الوعي كشيء منفصل عن الوجود، طالما أن وعي الإنسان هو شيء في الإنسان، وبالتالي فهو دائماً جزءٌ من وجوده.

 

ولكن من ناحية أُخرى، هناك سؤال يمكن طرحه، وهو هل نختبر الوجود في ذاته بشكل مباشر وبدون توسُّط من الوعي، أم أننا نختبره من خلال الوعي؟ السؤال بصيغة أُخرى: هل وجود الإنسان هو واقع مباشر متحقق من تلقاء ذاته، أم أنه مُعطى من خلال الوعي حيث إننا لا نوجد إلا لأن وعينا يتوسط لكي يمنحنا الشعور الذي نسميه وجوداً؟

في الحالة الأخيرة سيكون الوجود الحقيقي، هو الوجود بمعزل عن، أو ما وراء الوعي بذلك الوجود.

 

هكذا إذن، تثير أبسط الحقائق بشأن ما ندعوه بوجودنا هذه الإشكاليات، هذا قبل كل شيء، قبل الطريقة التي يمكن أن نحيا بها، أو التي يمكن أن نعرف بها العالم، أو الطريقة التي نقيِّم بها وجودنا وحياتنا.

 

فمنذ البداية وأمام الأشياء التي تبدو بديهية يجد الإنسان أنه بحاجة للتفكير. ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن حقيقة وجودنا ليست معطى جاهز ، وعلينا منذ البداية أن نفكِّر لكي نرى ما يُمكن أن نكونه، فنحن لسنا حقائق بالنسبة إلى ذواتنا بقدر ما نحن أسئلة.

وإذا كُنا نحن كذلك بالنسبة لأنفسنا، فما بال العالم بالنسبة لنا؟

 

قد يبدو ذلك بيديهاً للبعض كما نسمع دائماً أن الإنسان بحاجة إلى معرفة نفسه والعالم، وأن يطرح الأسئلة الكُبرى بشأن نفسه والحياة والوجود. ولكن في الواقع ليس هناك شيء بديهي إذا تأمّلناه بقوة أكبر.

 

إن بداهة أي أمر من عدمها ليست خاصية موضوعية واقعية في الأمر ذاته، وإنما هي خاصيةٌ نضفيها نحن عليه، وهي تختفي بمجرد التفكير في الأمر من جديد.

ولذلك فإن فكرة وجود الإنسان ووعيه وعدم انسجامه وجوديا ومعرفيا مع حقيقة الوجود تفقد بداهتها عندما نفكِّر فيها.

 

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email