تركيا- أردوغان ولعبته الخطيرة مع القروض الرخيصة – جريدة اخر الاسبوع

تركيا- أردوغان ولعبته الخطيرة مع القروض الرخيصة

اللواء/ رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي بجمهورية مصر العربية تركيا- أردوغان ولعبته الخطيرة مع القروض الرخيصة
كتب/ أيمن بحر
يبدو مستقبل تركيا الإقتصادى عشية إنتخابات مصيرية مثقلاً بمشاكل خطيرة على غرار مستقبلها السياسى، فالديون تتراكم وقيمة الليرة تتآكل والأموال تهرب، يبقى السؤال، هل من سبيل لتجنب أزمة مالية تودى بمكتسبات الحقبة الأردوغانية؟
لا جدال فى أن الرئيس رجب طيب أردوغان حقق لتركيا نهضة إقتصادية نادراً ما شهدتها بلدان أخرى، فعندما تولى السلطة فى عام 2002 كانت البلاد تعانى من أزمة إقتصادية خطيرة رافقها إضطرابات سياسية وتضخم وفقر وبطالة وهروب لرؤوس الأموال، لكن وبعد توليه الحكم بدأ إصلاحات سياسية وإقتصادية ليبرالية رافقها إنفتاح على أسواق روسيا والدول المجاورة، كما رافقها إستثمارات ضخمة ونمو إقتصادى زاد معدله السنوى على 7 بالمائة، وكان من تبعات ذلك مضاعفة دخل الفرد ليصبح بحدود 11 ألف يورو سنويا فى غضون عشر سنوات إعتباراً من عام 2003، ونتيجة الإستثمار الكثيف فى مجال التعليم والتدريب وبرامج التشغيل تراجعت نسبة الفقر وإنخفض عدد العاطلين عن العمل الى معدلات قياسية، وهكذا إنتقل الإقتصاد التركى من إقتصاد مأزوم الى إقتصاد مزدهر يحتل المرتبة السابعة عشرة عالمياً وأحد أكثر إقتصاديات البلدان الصاعدة حيوية وديناميكية، وهكذا وبفضل هذا النجاح الإقتصادى صعد نجم أردوغان السياسى كزعيم لا منازع له فى تركيا منذ وصوله الى دفة الحكم.
غير أن هذا الإقتصاد التركى يقف اليوم على عتبة أزمة إقتصادية قد تكون كارثية عشية الإنتخابات التركية التى يريد أردوغان كسبها ليحول بلاده الى دولة يتمتع فيها الرئيس بصلاحيات واسعة على حساب رئيس الوزراء الذى يمثل الأغلبية البرلمانية، ويدل على ذلك تدهور سعر الليرة التركية وهروب رؤوس الأموال وتراجع القوة الشرائية للمواطنين بفعل التضخم الذى زاد على 11 بالمائة سنويا منذ ثلاث سنوات تقريبا، وتفيد دراسة لمؤسسة ” الرخاء العالمى الجديدة” في جنوب أفريقيا أن نحو 6000 مليونير تركى، أى 12 بالمائة من مليونيرات تركيا غادروا بلدهم خلال العام الماضى الى الخارج، كما إرتفعت نسبة البطالة الى أكثر من 12 بالمائة بشكل عام والى نحو 20 بالمائة فى صفوف الشباب، صحيح أن عوامل عدة مثل تدفق ملايين اللآجئين الى تركيا من جهة والتطرف وتراجع السياحة والعلاقات المتقلبة مع روسيا والغرب من جهة أخرى القت بظلالها السيئة على الإقتصاد التركى، غير أن سياسات أردوغان الإنفرادية كان لها نصيب أكبر فيما وصل إليه الاقتصاد التركى، ولكن لماذا؟
أدى تورط أردوغان وحكومته فى دعم القوى الإسلاموية المتطرفة فى سوريا والعراق ودول أخرى لوصول خطرها الى داخل تركيا نفسها من خلال هجمات إرهابية أبعدت السياح عن المنتجعات التركية ودفعت الكثير من المستثمرين ورؤوس الأموال للبحث عن ملاذات أكثر أمناً، وزاد الطين بلة التضييق المستمر على الحريات والإعتقالات والتوتر المتزايد فى العلاقات التركية الغربية، ولكى يتم تعويض الثغرة الناجمة عن هروب الأموال وتسريح العمال أقدمت الدولة، لاسيما خلال السنوات الخمس الماضية على ضخ عشرات المليارات فى تمويل مشاريع ضخمة كالطرق والمطارات والأنفاق والطاقة والأبراج العقارية وغيرها، كما سهلت للشركات القروض الداخلية والخارجية بفوائد متدنية، وقد ساعدها على ذلك إنخفاض الفوائد فى منطقة اليورو والولايات المتحدة الى مستويات قياسية، وبما أن هذه المشاريع من جهة لا تعطى عوائد سريعة وأن الصادرات التركية الى روسيا وأسواق أخرى تعثرت من جهة أخرى، فإن تراكم الديون وأقساطها، لاسيما من دول الإتحاد الأوروبى وصل الى مستوى تعجز فيه الشركات عن الوفاء بالتزاماتها فى الوقت المناسب، وزاد المعضلة تراجع سعر الليرة التركية الى النصف أمام الدولار الأمريكى فى غضون أقل من ثلاث سنوات.
تذهب تقديرات منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا/ OECD ألى أن ديون الشركات التركية وصلت الى 500 مليار دولار، أى الى نحو 55 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى، وتكمن المشكلة فى أن القسم الأكبر من هذه الديون ليس بالليرة التركية، بل باليورو ثم الدولار، وإذا ما أضفنا الى ذلك الديون الحكومية، فإن مجمل الديون يتجاوز 600 مليار دولار فى وقت تقدر فيه الإحتياطات التركية بأقل من 100 مليار دولار، ويحذر صندوق النقد الدولى من خطورة جبل الديون هذا على دولة صاعدة لا تتمتع بإحتياطات كبيرة ومصادر طاقة ومواد أولية لازمة لمدخلاتها الصناعية، وهنا يطرح نفسه السؤال: كيف يمكن للشركات التركية والدولة الوفاء بأقساط الدين والفوائد السنوية المترتبة عليها، لاسيما فى ظل العزوف عن شراء السندات الحكومية بسبب عدم إستقرار الليرة التركية وعوامل أخرى؟ ويأتى ذلك وقت تدير فيه رؤوس الأموال الأجنبية والتركية ظهرها لتركيا ليس بسبب الخوف من تبعات سياسات أردوغان المنافية للتعددية والليبرالية فحسب، بل وأيضا بسبب رفع الفوائد فى الولايات المتحدة وقرب توقف سياسة البنك المركزى الأوروبى عن توفير المال بفوائد متدنية، وهذا ما يجعل السوق الأمريكية والأوروبية أكثر جاذبية للاستثمار من قبل.
الخبير الاقتصادي ابراهيم محمد: جبل الديون يُنهك مكاسب الحقبة الاقتصادية الأردوغانية
عشية إنتخابات مفصلية فى تاريخ بلاده، يحاول أردوغان توجيه سفينة الإقتصاد المثقلة بالديون نحو بر من الأمان من خلال التدخل فى سياسات البنك المركزى التركى لمنعه من رفع سعر الفائدة والإستمرار فى ضخ المزيد من القروض فى السوق المتقلبة، غير أن ذلك لن يكبح جماح التضخم ولن يساعد على تحسن سعر الليرة، كما أنه لن يساعد على عودة ثقة المستثمرين الباحثين عن أسواق بديلة، ومما يعنيه ذلك تراجع معدلات الإستثمار والنمو وتراكم جبل الديون الذى وصل الى مستويات مخيفة مقارنة مع البلدان الأخرى الصاعدة، ومن هنا فإن سياسات أردوغان تقود الى أزمة جديدة على غرار الأزمة المالية اليونانية أو البرتغالية إذا لم يسارع صندوق النقد الدولى والأصدقاء الى النجدة، ولن يغير من خطورة هذه الأزمة نجاح أردوغان فى الانتخابات بأكثر الأصوات أو فوزه بالأغلبية.

Please follow and like us:
Pin Share
اترك رد
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email