دولة تسحقها أزمة وجودية غير مسبوقة كتلك التي تشل السودان . – جريدة اخر الاسبوع

دولة تسحقها أزمة وجودية غير مسبوقة كتلك التي تشل السودان .

بقلم : يوحنا عزمي 

فالسودان كل معالمها الحياته الطبيعية مهدده بخطر التفكيك والتقسيم وبتحويله إلي احدي اخطر ساحات الإرهاب والعنف المسلح في العالم ، هل يعقل ان تظل هكذا بدون حكومة مسئولة عن إدارة أزمتها ، والتواصل مع العالم الخارجي ، ممثلا في دوله وحكوماته ومنظماته ، للبحث عن حلول انقاذ توفر عليها المصير المأساوي الذي ينتظرها إذا ما استمر اندفاعها في هذا المسار الكارثي ؟

 

كانت للسودان بعد سقوط نظام حكم البشير حكومة مدنية 

يترأسها الدكتور عبدالله حمدوك ، وهو شخصية سياسية غير حزبية تتمتع بسمعة دولية طيبة ، وكان اختياره لشغل موقعه 

في رئاسة الحكومة موضع توافق واجماع من قبل كل القوي السياسية والحزبية السودانية لنزاهته وكفاءته ووطنيته ولأنه 

كان افضل الخيارات السياسية المتاحة وقتها .. 

 

وكان لهذه الحكومة صداها الإيجابي في الخارج ، وهذا القبول الدولي الواسع لها هو الذي لعب دوره في اسقاط جانب كبير من ديون السودان الخارجية التي كادت تودي به إلي اشهار إفلاسه وافشاله كدولة ، وهو ما اسهم في تحسين مركزه الائتماني لدي المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي وغيره وساعد علي استئناف تزويده بالقروض والمنح والمساعدات وفي جذب المستثمرين الخارجيين إليه بعد طول ابتعادهم عنه ، وفي رفعه 

من القوائم الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وهو ما كان يعني 

انهاء عزلة السودان الدولية وانفتاحه علي محيطه الإقليمي والدولي وتفاعله اكثر معه ، وهو ما اعطي الأمل بقرب استقرار أوضاعه السياسية والأمنية ، وتركيز جهوده ومقدراته علي الداخل لإعادة إعمار ما خربته له سنوات حكم البشير التي كانت ضياعا في ضياع وكانت كارثة علي السودان كما علي كل دول الجوار التي عانت من تآمره عليها .. 

 

كانت حكومة حمدوك هي الواجهة الجديدة التي اطل منها السودان علي العالم الخارجي بعد سنوات طويلة من العزلة والمقاطعة ومن إدراجه علي القوائم السوداء ومن التعامل معه كدولة مارقة وراعية للإرهاب في هذه المنطقة المهمة والحساسة من العالم ..

 

كان ما تحقق خلال هذه الفترة القصيرة نقلة نوعية مهمة بكل المعايير رغم صعوبة الظروف وخطورة التحديات .. وكان يمكن 

ان تمهد لمراحل أخري اكثر أهمية منها.

 

إلا ان العهد لم يطل بحكومة حمدوك المدنية ، بعد ان انقلب رئيس المجلس السيادي الانتقالي عبدالفتاح البرهان وجماعته عليها ولم يكتفوا باقالتها او باعفائها من مهامها لتكليف حكومة اخري تحل مكانها ، ولكنهم اعتقلوه واهانوه ، وتعاملوا معه بما لم يكن يليق 

به كرجل دولة ، وابتعد الرجل بعد ان أدرك صعوبة التعامل مع من يمسكون بزمام الأمور ويديرون دفة الحكم في بلاده .. 

 

وباقصاء حمدوك وتهميشه دون محاولة لايجاد بديل له ، أصبح السودان بلا حكومة مسئولة عن إدارة شئون الحكم فيه وتوجيه سياسته الخارجية في الإتجاه الذي يحفظ له أمنه ومصالحه ويستعيد له دوره عربيا وإقليمياً وافريقيا. 

 

وإذا كان هناك وزراء للخارجية او الداخلية او غيرهم ، فأنهم يعملون في دائرة الظل بلا ادوار او بصمات واضحة لهم في 

دوائر اتخاذ القرار ، وإلي الحد الذي غابت معه اسماؤهم عنا 

حتي اصبحنا لا نعرفهم .. فهم موظفون اكثر منهم سياسيين

ولا يمكن التعويل عليهم في إدارة الأزمة الخانقة الراهنة التي 

تزداد تعقيداً وتدهورا من ساعة لاخري في غياب المخارج والحلول.

 

الفريق اول البرهان يتصرف كقائد أعلي للجيش السوداني والفريق اول دوقلو او حميدتي يتصرف هو الآخر كقائد ميليشيات مسلحة تحمل مسمي قوات الدعم السريع ، وهم لا يتصرفون من مواقعهم التي يشغلونها كرجال دولة مسئولين او كسياسيين محنكين وقادرين علي احتواء الاخطار والتحديات التي تكاد تدمر لهم دولتهم وتحيلها إلي بقايا دولة .. 

 

فالموقف اكبر منهم وقد أصبح هذا واضحا تماما بادارتهم السيئة والمتخبطة للأزمة التي يتحملون المسئولية الأولي عن إدارتها الآن والتي توشك ان تتحول إلي حرب أهلية مدمرة تعم كافة ربوع السودان ولن تبقي شيئا فيه علي حاله .. لا حل إلا بوجود حكومة مدنية وطنية قادرة علي لم الشمل وتجميع السودانيين وراءها لانقاذ ما يمكن انقاذه .. هذا إذا كان هناك ما يمكن انقاذه في ظل الخراب الشامل الذي بدأ يعشش في كل مكان.

 يوحنا عزمي

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email