سطورنورانية من غزوةبدرالرمضانية – جريدة اخر الاسبوع

سطورنورانية من غزوةبدرالرمضانية

كتب ياسر عبدالرازق
وقعت غزوة بدر الكبري في السابع عشر من شهر رمضان المبارك وكانت علامة فارقة في التاريخ الاسلامي وفيما يلي بعض السطور المضيئة من الغزوة:
1- وأنتَ تقرأ سورةَ الأنفال؛ تشعر أنها بيانًا عسكرية لتقييم سلبيات المعركة، بل لقد ركزت السورةُ على الداء الخطير الذي يأتي على الأمم؛ إنه داء “التنازع” {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46).

2- قد تقلُ العُدةُ والعتاد في الأمم والجيوش، وهذا ليس خطيرًا، لكن الداهية الدهياء، والمعضلة الشنعاء أن يقل الرجال؛ أي يجبنون، فالجُبن يجعل من الأمةِ العظيمة ناقةً ذليلة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (الأنفال: 45).

3- حينما يلوذ المسلمون بجناب الله – تعالى -؛ فإن الأقيسة المنطقية غالبًا ما تتنحى جانبًا، فالوقت وقت المعجزات، فالفئة القليلة تغلب الكثيرةَ، وعشرون صابرون يغلبون مئتين، والعرجون القديم يستحيل سيفًا بتارًا في يد الفارس المؤمن، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (آل عمران: 123).

4- بات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة المعركة داعيًا خاشعًا متذللاً لرب العالمين، بينما بات أبو جهل ثملاً يُرقِّصُ الغواني. وهذا جانبٌ من جوانب يوم الفرقان، فمن بات على شيء أصبح عليه، فهذا بات يترنح، وقُتل وهو يترنح، وذاك أذل نفسه لله؛ فكان حقًا على الله ـ تعالى ـ أن يعزه. {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (الأنفال: 47).

5- تجهزت قريشٌ لملاقاة المسلمين، وكان الاستنفارُ في مكة عامًا، فمن لم يستطع الخروج أخرج مكانه رحلاً، فعزم أمية بن خلف على القعود، فجاءه الخبيث عقبة بن أبي معيط بِمَجْمَرَةٍ فِيهَا نَارٌ، ووضعها بين يدي “أمية” وكان جالسًا بين قومه، ثم قال عقبة: يَا أَبَا عَلِيّ: اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ، قَالَ أمية: قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ مَا جِئْتَ بِهِ، ثُمّ تَجَهّزَ فَخَرَجَ مَعَ النّاسِ (ابن هشام 1/ 610)، فكان مقتله في بدر. نعم، أحينًا يقودك صديقك إلى الهلاك.

6- قال أبو جهل: “والله لا نرجع حتى نرِد ماءَ بدر، ونقيم عليها ثلاثًا ونشرب الخمر وتضرب على رؤوسنا القيان فتهابنا العرب أبدًا”، وهكذا إذا فسق القائد، فقد قاد الفسقُ، هي القيادة المجنونة والعبور إلى جهنم.

7- قال الصحابةُ: “امْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك” (ابن هشام 1/ 615)، بينما اليهود {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24). وهذا فُرقانٌ بين الرجال أيضًا.

8- قال سعد بن معاذ محدثًا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الذين تخلفوا: “تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيّ اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك” (ابن هشام 1/ 618)، كلمة عجيبةٌ جدًا تفيض صفاءً، تفوح نقاء، تنم عن قلب متجردٍ، لا يحمل حظًا للنفس، يحفظ غيبة الإخوان، يحسن الظن بالقاعدين.. فكيف كان رد فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: َأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ.

9- قُتل الأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ ـ وَكَانَ رَجُلا شَرِسًا سَيّئَ الْخُلُق ـ في حوض الماء الذي يشرب منه المسلمون، وقد قال في حزم: أُعَاهِدُ اللّهَ لأشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنّهُ أَوْ لأمُوتَنّ دُونَهُ. فخرج، وقاتل بحماسة، فقُطعت ساقه؛ فلم ييأس، فحبا نحو الحوض حتى اقتحمه، فقتلُ فيه. فما أقبحَ المرءَ الذي يعيشُ في سبيل فكرة باطلة، ويقاتل دونه شجاعًا، ويُنحرُ على أعتابها صريعًا، إنه جلَد الفاجر الذي تراه في أهل الباطل، {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (فاطر: 8).

10- قَالَ أَبُو جَهْلِ: “اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ”. فكثيرًا ما يتنسك الثعلب للأفراخ، غير أن نفسه الخبيثه تفوح رائحتُها المنتنة من تحت فرائه. إن الحاكم الفاسق الذي خلع على نفسه مساليخ الزهاد والمصلحين؛ لا يصبر كثيرًا، ويضيق زرعًا برداء الزهاد والصالحين، فهو رداء ضيقٌ جدًا، تمامًا مثل معايشهم.

11- {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال: 17).. إن الحجارة في يد المؤمن أقوى من المدفع في يد الكافر؛ وذلك ـ أيضُا ـ جانبٌ من جوانب الفرقان.

12- الجانب النفسي هو الخرزة الأولى في عِقد الجيش، فإذا انفرطت؛ انفرط العِقد كله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (الأنفال: 43، 44).

13- الذين يُعولون على القوة في حربهم على الإسلام؛ كالذي يُعول على أسياف الخشب؛ بالطبع معهم الشيطان بخيله ورجله، لكنْ لو يعلموا أنه أول الفارين! {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 48).

14- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ…} (الأنفال: من الآية 1) الألسنة البشرية صامتة في المغارم، فصيحةٌ في المغانم، النفسُ البشرية هي النفس البشرية {…فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأنفال: من الآية 1).

15- {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (الأنفال: 18).. النتيجة التي تؤول إليها مخططات أعداء هذا الدين.

16- المعركة بين الحق والباطل؛ هي ضرورة من ضروريات الحياة؛ فهي الإجراء الوحيد لـ ( للامتياز، والجمع، والرقْم ): {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأنفال: 37 ، 38).
.

منقول

Please follow and like us:
Pin Share
اترك رد
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email