السلام اليوم العالمي للعيش في سلام | جريدة اخر الاسبوع

السلام اليوم العالمي للعيش في سلام

كتب فرج احمد فرج
باحث انثربولوجيا
أعلنت الجمعية العامة بموجب قرارها 72/130 يوم 16 أيار/مايو يومًا عالميًا للعيش معًا في سلام، مؤكدة أن يومًا كهذا هو السبيل لتعبئة جهود المجتمع الدولي لتعزيز السلام والتسامح والتضامن والتفاهم و التكافل، والإعراب عن رغبة أفراد المجتمع في العيش والعمل معًاً، متحدين على اختلافاتهم لبناء عالم ينعم بالسلام وبالتضامن وبالوئام.

ويمثل هذا اليوم دعوة للبلدان لزيادة تعزيز المصالحة وللمساعدة في ضمان السلام والتنمية المستدامة، بما في ذلك العمل مع المجتمعات المحلية والزعماء الدينيين والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة، من خلال تدابير التوفيق وأعمال الخدمة وعن طريق التشجيع على التسامح والتعاطف بين الأفراد.

السلام كلمة مريحة للنفس باعثة للهدوء والطمأنينة والاستئناس بين الناس ودعوة كل الرسل والانبياء ، السلام اسم من أسماء الله تعالى فدعوة الله السلام وتحية الله السلام، وجميع الأديان السماوية دعوتها السلام، فالسلام طريق للحب والمودة والعطف، فلم لا نلبي دعوة الإله ونعيش وننعم بالسلام؟! لماذا لا نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض لنحقق السلام؟
من منا لا يحلم بحلم السلام الذي ينبغي أن يسود العالم؟ من منا لا يمقت الحروب الطاحنة الدائرة هنا وهناك التي لا تبقي ولا تذر؟ التي تأتي على الأخضر واليابس، والتي لا نجني من ورائها إلا الويلات، من منا لا يريد أن يعم الخير والعدل الجميع؟
من منا لا يحلم أن يأتي يوم يكون العالم كله قلبه على قلب بعض كالجسد وكالنسيج الواحد إذا اشتكى أحد أعضائه يهتم بشكايته وبأوجاعه سائر الأعضاء؟ من منا لا يريد الطمأنينة والراحة وهدوء البال؟
من منا لا يريد ان يسمع عن استخدام الرصاص والقنابل وازيز الطائرات بديلا عن الحوار والتفاهم وتغليب العقل واستخدام ميزان العدل حتي تستقيم اركان السلام بين البشر 

منذ بدء الخليقة وصراع مستمر بين الخير والشر، هابيل وقابيل أحدهما يحمل بيده السلام والآخر يحمل بيده الشر، لكن ما استمر شر أبد الآبدين، والغلبة في نهاية حلبة الصراعات ستكون لمن يحمل بيده أغصان الزيتون، ويحمل بشارات الأنبياء الذين كانت دعواتهم للسلام،
فها هو عيسى المسيح عليه السلام دعوته في مواعظه على الجبل وترانيمه تحمل السلام ..الله محبة والمحبة سلام، وها هو محمد صلى الله عليه وسلم راياته السلام وبشاراته السلام وتحيته السلام، وها هو موسى حينما يخاطب فرعون “قولا له قولا لينا” واللين سلام.. لين الجانب سلام وليس استسلام.
السلام مصدر مشتق من الفعل سَلًمَ، ويعني الطمأنينة أو الأمان، أما اصطلاحاً، فيعرف السلام على أنه حالة من الأمان والسكينة ومنافٍ للحرب والنزاعات. تسعى العديد من الشخصيات إلى نشر السلام في جميع أنحاء العالم، ومن أجل التخلص من الخلافات وتسوية النزاعات التي تقف في وجه تحقيق السلام.
يركز القرآن الكريم على ذكر ايات عن السلام لما فيها من رحمة وتسامح بين الناس، حيث أن الإسلام هو دين السلام الذي يجلب للمؤمنين السلام الداخلي والخارجي، كما يحثنا حديث الرسول عن السلام في عدة مواقف على التحلي بهذه الصفة التي من شأنها نشر الأمان والطمأنينة في نفوسنا
السلامُ اسمٌ من أسماءِ اللهِ وضَعَهُ اللهُ في الأرضِ، فأفْشُوهُ بينَكمْ، فإنَّ الرجلَ المسلمَ إذا مَرَّ بقومٍ فسلَّمَ عليهم، فردُّوا عليه؛ كان لهُ عليهم فضلُ درجةٍ بتذكيرِهِ إيَّاهُمُ السلامَ، فإنْ لمْ يرُدُّوا عليه رَدَّ عليه مَنْ هوَ خيرٌ مِنهمْ وأطْيبُ
إنَّ المؤمنَ إذا لقِيَ المؤمنَ فسلَّم عليه وأخذ بيدِه فصافَحَه
إنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أيُّ الإسْلَامِ خَيْر ؟ ٌ قال تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِف
ومع هذا فهو يلقي الصعوبات التي تواجه هدف تحقيقه بشكل عام و السلام العالمي في النظرة المادية الأنانية للفرد والحكومات، وهي النظرة الناتجة من اعتقاد الإنسان أنه مركز الكون وبالتالي فإن سعادته المادية أهم من قيم الحق والعدل التي هي حقيقة طريق سعادته الحقيقية والدائمة، وهذه النظرة المادية ينتج عنها: عنصرية وتمييز بحق فئة أو عرق أو جنس.


وصراع على المصادر الطبيعية والثروات و حصر مفهوم السعادة باللذة المادية والتي تتمثل في السيطرة والتبذير،وغياب العدالة في التوزيع والتفاوت الرهيب في المستويات المادية والمعيشية
أنه ليس صعبا، كيف لا يكون صعبا؟
ننزع الحقد والغل والحسد والضغينة من قلوبنا ونحب بعضنا البعض، ويرحم صغيرنا كبيرنا ويعطف كبيرنا على صغيرنا هذا على المستوى الفردي، والفرد بدوره عضو فاعل في مجتمعه فلماذا لا يحاول أن يطبق هذه المعطيات على واقعه؟
بطرح الأنانية جانبا ولا يكون ذئبا لأخيه الإنسان، ويحيي قيم المواطنة فالجميع مواطنون من الدرجة الأولى، ويترك الطبقية والعنصرية فالجميع لآدم وآدم من تراب، والجميع متساوون في الحقوق وكذلك في الواجبات فلا داع لهذه العنصرية البغيضة. 

أهمية تحقيق السلام حفظ الأرواح والممتلكات. توجيه الجهود والثروات المبذولة في الحروب لصالح الصحة والتعليم والبنية التحتية. الاهتمام بصورة أكبر بالجانب الفكري والمعنوي.

وبُني هذا الإعلان على المفهوم الوارد في الميثاق التأسيسي لليونسكو الذي نصه ”لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام”، وأكدت الجمعية العامة كذلك على أن السلام لا يتوقف على غياب الصراع وحسب، هوعملية دينامية وإيجابية وتشاركية، حيث تُشجع الحوارات وحل النزاعات بروح التفاهم والتعاون المتبادل
دعوة الفلاسفة للسلام
وإذا ما تطرقنا إلى هذا المفهوم قديما فدعوة الفلاسفة منذ الفلاسفة الطبيعيون الأوائل إلى كانط فيلسوف العصر الحديث دعواتهم سلام، وأذكر على سبيل المثال الفيلسوف الرواقي زينون الرواقي ودعوته لإنشاء المدينة العالمية ودعوته إلى وحدة الجنس البشري،
لأن الكون كله يخضع لإله واحد ويحكمه قانون واحد هو قانون العقل الذي بدوره يدعو إلى المحبة لأن المحبة من الإيمان، وإذا ما تحققت المحبة سيتحقق السلام،
وكذلك ما ذكره إيمانويل كانط في كتابه المشروع الدائم للسلام العالمي ودعوته إلى إقامة مدينة عالمية تسودها الطمأنينة والهدوء، ومن قبله الفيلسوف الإسباني ريمون لول الذي تحدث عن السلام،
ومن قبلهما الفارابي في المدينة الفاضلة وكذلك ابن رشد، وأيضا مصلحوا العصر جميعهم دعواتهم إلى تحقيق السلام الشامل العادل الذي ينعم به الجميع، فهل هذا صعب التحقق؟ هل هذا صعب المنال؟
يا سادة نفتش في أنفسنا جيدا ونطرح هذه الأفكار على عقولنا ونستفتيها ثم نعرضها على قلوبنا وعلى فطرتنا الخيرة التي فطرنا الله تعالى عليها، فالإنسان بفطرته مفطور على الخير وحب السلام وكراهية الشرور.
وحتى يتحقق السلام في أي مجتمع يجب أن تتوفر مجموعة من الأركان التي لها صلة وثيقة بالإدارة السياسية للمجتمعات، ومنها: الإدارة السليمة للتعددية: إن المجتمعات البشرية تقوم على أساس التعددية الدينية والثقافية والسياسية، فمن الصعب وجود مجتمع يتشكل من عِرق واحد أو يدين بدين واحد، فهذا الامتزاج إما أن تحكمه إدارة سليمة تحفظ حقوق الأقلية دون تمييز، وبإعطائهم مساحة للتعبير عن معتقداتهم في أجواء من الاحترام والتسامح، وإما أن تحكمه أنظمة تخاف من التنوع، وتعمل على سحق الآخر المختلف وحرمانه من حقوقه وحرياته، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حروب أساسها الدين أو المذهب أو العرق، ينتج عنها دمار الدولة سياسياً واقتصادياً ونشوء أجيال محملة بالكراهية اتجاه الآخر تسعى للانتقام دوماً. الاحتكام إلى القانون: وذلك من خلال تأكيد مجموعة من الأساسيات التي تحقق المساواة والعدالة بين الأفراد، باعتبار أن الأفراد متساوون أمام القانون دون تمييز بينهم في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق، فإن القانون يجب أن يطبق على الجميع بغض النظر عن الانتماءات الدينية والسياسية والجغرافية، وإتاحة المجال للفرد للجوء إلى المحاكم دون تكليفه أعباء تفوق طاقته، كما يتم تطبيق الأحكام الصادرة عن المحاكم بحزم ودون استثناءات. وفي حالة غياب أحد هذه الأساسيات في الدولة فإنه سيظهر الأثر واضحاً على السلام المجتمعي.
الحكم الرشيد: إن كثيراً من الاضطرابات وأعمال العنف تحدث نتيجة فساد أنظمة الحكم في الدول التي تغيب فيها الديمقراطية، فالحكم الرشيد يعني وجود نظام حكم يقوم على المحاسبة ومكافحة الفساد، من خلال مؤسسات الدولة كمجلس الشعب والمجتمع المدني والصحافة، كما يعني تمكين الأفراد ورفع مستوى وعيهم وقدراتهم، بتوفير الخدمات التعليمية والثقافية والصحية وفرص العمل وغيرها وتشجيعهم علي المشاركة في العمل العام ..
ولهذا كانت دعوة الامم المتحدة للعيش معا في سلام
والعيش معًا بسلام هو أن نتقبل اختلافاتنا وأن نتمتع بالقدرة على الاستماع إلى الآخرين والتعرف عليهم واحترامهم، والعيش معًا متحدين في سلام.
من الواضح أن تحقيق هذا الطموح يتطلب القضاء على جميع أشكال التمييز والتعصب، بما في ذلك التمييز القائم على العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو التوجه السياسي أو الحالة المالية أو القدرة الجسدية أو غيرها.
فرج احمد فرج
باحث انثربولوجيا

مصر الطقس من أخر الأسبوع