الحرية انت حر ما لم تضر السر يكمن في التنظيم | جريدة اخر الاسبوع

الحرية انت حر ما لم تضر السر يكمن في التنظيم

كتب فرج احند فرج
باحث انثربولوجيا
الحرية بمفهومها العام تشكل العمود الفقري في المنظومة الحقوقية، وتندرج ضمن المقومات الرئيسية للمجتمع الديموقراطي، وتعد عنصرا أساسيا لإتاحة المجال للإبداع والخلق، ولا يمكن بدونها تحقيق التطور والتقدم في حياة الإنسان؛ وهي لا تُنتج كل ما تنطوي عليه من قيم ومزايا إلا بارتباطها الوثيق مع المسؤولية التي يحدد مداها القانون.
الحرية في الدين
الحرية حق مكفول لجميع الناس , فالله تبارك وتعالى خلق الإنسان ومنحه حرية اختيار العقيدة والدين وحرية التعبير عن الرأي وحرية التصرف, قال تعالى : ” وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) سورة الكهف .
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله وعليه وسلم- قال: “لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ”.
فالحرية إذن مطلب لا يختلف عليها اثنان إلا أن تلك الحرية لا تؤتي ثمارها الحقيقة إلا في ظلال الممارسة الصحيحة لها. بما لا يتعارض مع الدين. أو الأخلاق. أو قوانين الدولة. أو حقوق الآخرين وحرياتهم,وكما قيل : إن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، فهي ليست مطلقة وبدون قيد وضابط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة ، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه وألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه ، ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين.
فالحرية الشخصية تتضمن شيئين :
أولاً : حرمة الذات: وذلك بعدم الاعتداء عليها , قال تعالى: ” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) سورة المائدة .
ثانياً : تأمين الذات: بضمان سلامة الفرد و أمنة في نفسه و عرضه و ماله: عنْ أَبِى سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ : أَلاَ إِنَّ أَحْرَمَ الأَيَّامِ يَوْمُكُمْ هَذَا , ألا وَإِنَّ أَحْرَمَ الشُّهُورِ شَهْرُكُمْ هَذَا , ألا وَإِنَّ أَحْرَمَ الْبِلاَدِ بَلَدُكُمْ هَذَا , أَلاَ وَإِنّ َدِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ , عَلَيْكُمْ حَرَامٌ , كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا , في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هَذَا , أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ قَالُوا نَعَمْ , قَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ.أخرجه أحمد
وكما شغلت الحرية اذهان المفكرين الاسلاميين, فانها شغلت اذهان المفكرين عند الغرب وهذه مسألة جد طبيعية نظرا لملازمة الحرية للانسان منذ آدم (ع)، واعتداء قابيل على حرية أخيه هابيل في الحياة والتمتع بما وهبه الله له، ومنذ ذلك التاريخ والانسان يبحث في مفهوم الحرية وحدودها وتطبيقاتها الموضوعية.
شغلت الفلاسفة في كل العصور قال سقراط: ليس على الارض انسان له الحق في ان يملي على الاخر ما يجب ان يؤمن به أو يحرمه من حق التفكير كما يهوى .. مادام الانسان على وفاق مع ضميره فانه يستطيع ان يستغني عن رضى اصدقائه وان يستغني عن المال وعن العائلة وعن البيت، ولكن بما انه لا يمكن ان يصل الى نتائج صحيحة بدون ان يفحص المسائل، مالها وما عليها، فحصا تاما فانه يجب ان يترك الناس احرارا، لهم الحرية التامة في مناقشة جميع المسائل بدون ان تتدخل الحكومة في مناقشتهم.
وجنح افلاطون الى ان الانسان سيعود كما جاء الى عالم المثل، ولكن شريطة ان يكون حرا في متابعة الحكمة وان لا يقيد نفسه باواصر الارض والجسد، وبالطبع فان هذه مرحلة متطورة في سلوك الانسان قليل من يرتقي اليها، وعند حديثه عن المدينة الفاضلة التي ينشدها او مدينة الحرية والديمقراطية فانه يشير الى حرية: “كل انسان في ان يرتب وينظم حياته بالصورة التي تناسبه تحت قانون ينطبق على الجمي، ففي المدينة الفاضلة يرى افلاطون: “ان الحرية هي افضل واكمل ما يملكه الناس، ولذلك فهناك مدينة واحدة فقط هي عندما يملك المرء الحرية الطبيعية للعيش بسلام”.
وعبر هيجل بما جاء به انما يدعو الى ذوبان حرية الفرد في حرية الاخرين، أي نوع من أنواع الدعوة الى تذويب الملكيات الخاصة لكل انسان، وهي نظرية عمل الفكر الماركسي على تأكيدها والتبشير بها. ولا اعتقد انه من السليم تذويب الفرد في ذات المجتمع ككل، لان في ذلك تهديداً لذاتية وخصوصيات كل فرد، وهو امر فطري ان يكون لكل انسان شخصيته وهويته، على انه من الطبيعي ان لا يكون مذهب تأكيد الهوية بداية لثلم حرية الاخرين، فالفرد بقدر ما يكون حريصا على تأكيد شخصيته في اطار الحرية التي يتمتع بها، فانه في الوقت نفسه، ينبغي ان يكون حريصا على حريات الاخرين، فبالتالي يمكن ان تلتقي اهداف الفرد كشخص مع اهداف المجتمع ككل في بعض المفاصل وليس كلها.
واعتقد ان ديكارت كان في منتهى إعماله لارادته وحريته الذاتية، وذلك عندما تحلل من الافكار القديمة ودعا الى التحرر من الافكار الموروثة ورفضها واعادة صياغتها من جديد، ومرة اخرى بتفعيل الحرية الذاتية، أي انه دعا الى استعمال الحرية لرفض الموروث واستعمال الحرية ثانية لصياغة عالم جديد وفكر جديد، وبالتالي فانه في الحالتين يؤكد على اهمية الحرية في الهدم البنّاء والبِناء المثبت.
وقد طور لوك مفهوم السلوك الاجتماعي للحرية جاعلا الانسان هو القضية وهو الموضوع للعلاقة الوطيدة بين فهم الانسان لقوانين الطبيعة ذات القواعد العامة لتنظيم السلوك الغريزي لذات الانسان مؤكدا على ان الحرية تعني: “وجوب ان يحترم كل شخص حياة وممتلكات الاخرين”.
ان لوك بقوله هذا يجعلنا نعتقد للوهلة الاولى ان معرفة الانسان لمتطلبات الحياة وقوانين الطبيعة والفطرة الانسانية تكفيه احترام حريته وتجنبه الاعتداء على حريات الاخرين، وانه ليس هناك من دواع او مبررات لوضع قوانين وشروط وقيود على الحرية مادام فهمنا لها وتقديرنا لمتطلبات الحياة يقودنا الى السيطرة على سلوكنا الخاص، غير ان لوك استدرك الامر معتبرا: “انه ليس بوسع كل انسان ان يسير خلف قانون الطبيعة بمفرده فهو بحاجة الى قوانين وقواعد لتنظيم السلوك”.(39) هنا ينظر لوك الى الحرية بمنظار القوانين، فهو لا يجعل القوانين مقيدة للحرية وانما منظمة لها، وهناك فرق بين التقييد والتنظيم، وان كان التنظيم في احد أوجهه يتطلب تقييد بعض الحريات في سبيل المصلحة العامة، أي كما يقول جون وادهام (John Wadham) المحامي والناشط البريطاني في مجال الدفاع عن الحريات المدنية: “نحن لسنا احرارا بالكامل لنصب خيمة في ركن من الشارع وإخبار العالم بما نرغب قوله وفق حريتنا، او أن نجلس خلف الكمبيوتير –الحاسوب- وإرسال ما نرغب ارساله عبر شبكة الانترنيت، فالقانون يمد بطارية قيود لادارة حقنا في التعبير عن رأينا أو النشر او طبع أي شيء نرغب فيه، نعم نحن احرار في التعبير عن ما يجيش في انفسنا ما عدا ما حرمه القانون
اذن، يظل القانون إن كان من وضع الانسان او وضع البارئ تعالى هو مدار الفصل بين الحرية الايجابية والحرية السلبية، لكن القانون الوضعي لا يمثل الحكم الفيصل في تحديد الحريات مئة في المئة من الناحية الوجدانية، لان عملية سن القوانين خاضعة هي الاخرى وبخاصة في الديمقراطيات الغربية الى حكم الاغلبية والاكثرية، فما وافقت عليه الاكثرية يكون ملزما على الاقلية من الناحية الفعلية، ولكنه الزام قانوني وليس الزاما وجدانيا ذاتيا.
السر يكمن في التنظيم
THE SECRET NIDES WITHIN THE ORDER
فرج احمد فرج
باحث انثربولوجيا

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email