أول جيش مصري بعد الفين عام | جريدة اخر الاسبوع

أول جيش مصري بعد الفين عام

محمود سعيد برغش
لم تكن عملية بناء الجيش المصري في عهد محمد علي باشا يسيرة أبدا، فالباشا بعد أن رفض عملية تجنيد الشركس والأرناؤوط، وفشل في تجنيد السودانيين، لم يعد أمامه إلا المصريين! أولئك الذين ابتعدوا عن الجندية منذ ألفي عام في ذلك الزمان، أو ربما يزيد! كما فشلت كل محاولات تجنيدهم السابقة من بعض الولاة العثمانيين وبعض أمراء الجراكسة أو المماليك في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي، هؤلاء هم من سيجعل منهم “الباشا” عماد جيشه الجديد!

طلب محمد علي من العُمد ومشايخ القرى والكشافين (جامعي الضرائب) أن يمروا على الغيطان والجسور، ويحصون من بالبيوت، فلو كان لأحدهم أكثر من ولد فاتركوا له واحدا أو اثنين وأحضروا الباقي، من كانت أعمارهم تتراوح بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين. وسيق الشباب مكبَّلين الأيدي بشكل مُهين إلى مراكز التدريب التي أعدها الوالي في فرشوط وبني عدي لأهل الصعيد، والخانكه لأهل الدلتا. فلجأ المصريون إلى تشويه أنفسهم ليصيروا غير صالحين للجنديه! حيث قطع البعض عُقلة من سبابته اليمنى، ونزع البعض أسنانهم الأمامية، ووضع بعضهم سم الفئران في عينيه مثل الكُحل ليحدث عمى (يأمل صاحبه أن يكون لحظيا) في وقت الكشف الطبي! وفي النهاية هَجَر عديد من المصريين قراهم هربا من دورية الكشافين التي كانت تجمع الأنفار للجنديه، مما يُهدد ثروة مصر الزراعية واقتصادها بالكامل!

وواجه “الباشا” العنيد كل هذا بشدة وحزم، فاعتقل من شوهوا أنفسهم وسجنهم مدى الحياة، ليكونوا عبرة لغيرهم، وأمر العُربان من سكان أطراف الوادي إن شاهدوا أي هارباً قريبا منهم أن يسلموه ووعدهم بمكافأة، كما أعلن حرباً ضروس على العمد وللمشايخ المرتشين الذين كانوا يتسترون على بعض الشباب مقابل أموال، فعزلهم وصادر أموالهم!

وانتفض المصريون ضد محمد علي يعلنون رفضهم لسياسة التجنيد الإجباري رفضا تاماً، وزادت حدة الثورة في المنوفية وقنا، حيث كانتا أكثر البلاد اعتراضاً وأشدها هياجاً، وواجه الوالي ذلك بالمدافع، فقصف قرى كاملة فوق رؤوس أهلها حتى هدأ المصريون وسلم أغلبهم بالأمر الواقع، وشيئا فشيئا هدأت حدة الرفض وتحول إلى انصياع وقبول، خاصة عندما أصدر “الباشا” تعليمات بإعفاء المجندين من ضريبة الرأس ومنحهم إمتيازات كثيرة، والعناية بهم في معسكرات التدريب، حيث كان طعامهم أرزا مفلفلا ولحم ثلاث مرات أسبوعيا، كما منَّ على كثير منهم بمكافآت الأنتصارات بعد ذلك بسخاء.

مصر الطقس من أخر الأسبوع