نقاش حول حوارية الشعر والتشكيل بالأعلى للثقافة. – جريدة اخر الاسبوع

نقاش حول حوارية الشعر والتشكيل بالأعلى للثقافة.

محمود الهندي

   عقد المجلس الأعلى للثقافة ندوة بعنوان: “حوارية الشعر والتشكيل”، ونظمتها لجنة الشعر بالتعاون مع لجنة الفنون التشكيلية والعمارة بالمجلس الأعلى للثقافة، وذلك مساء أمس الأربعاء الموافق الأول من شهر مارس الجارى، بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة، وقد أدار الندوة الشاعر عماد غزالى عضو لجنة الشعر، وشارك فيها الشاعر أحمد سويلم؛ مقرر لجنة الشعر، والشاعر أحمد عنتر مصطفى؛ عضو لجنة الشعر، والشاعر أحمد فضل شبلول؛ عضو لجنة الشعر، والدكتورة أمل نصر مصورة وناقدة تشكيلية أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة، والدكتورة صفية القبانى؛ نقيبة الفنانين التشكيليين، وشهدت الأمسية حضور الدكتورة سهير عثمان؛ مقررة لجنة الفنون التشكيلية والعمارة، فضلًا عن كوكبة من الفنانين والشعراء . 

 

عقب ذلك تحدث مقرر لجنة الشعر الشاعر أحمد سويلم حول الألوان فى الشعر؛ حيث يقول عمرو بن كلثوم: 

كَأَنَّ ثيابَنا مِنّا وَمِنهُم … خُضِبنَ بِأَرجوانٍ أَو طُلينا

وتقول الخنساء في رثاء أخيها صَخْر :

 

أَغَرُّ أَبلَجُ تأتَمُّ الهُداةُ به … كأنَّه عَلَمٌ في رأسه نارُ

وهناك طرفة عن النساء البيض تقول: المرأة الرعبوبة هى المرأة البيضاء كسنان الإبل، والمرأة الرقراقة هى المرأة المعجبة بجمالها، والمرأة الزهراء بياضها مثل النجم، والمرأة الحميراء أى البيضاء التى تميل إلى الاحمرار، 

بَيضاءُ باكَرَها النَعيمُ كَأَنَّها … قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنحَ لَيلٍ أَسوَدِ

مَوسومَةٌ بِالحُسنِ ذاتُ حَواسِدٍ … إِنَّ الحِسانَ مَظِنَّةٌ لِلحُسَّدِ

وَتَرى مَدامِعُها تَرَقرُقَ مُقلَةٍ … سَوداءَ تَرغَبُ عَن سَوادِ الإِثمِدِ

وفى مختتم حديثه استلهم أحد أقوال الإمام محمد عبده الذى تمحور أيضًا حول العلاقة بين الشعر والفن التشكيلى، وهو: الرسم درب من الشعر الذى يُرى ولا يُسمع، والشعر درب من الرسم الذى يُسمع ولا يُرى . 

 

فيما تحدث الشاعر أحمد عنتر مصطفى حول العلاقة العميقة بين الشعر والفنون مثل فن النحت، مستلهمًا بعض أبيات أمير الشعراء حول تمثال نهضة مصر، للمثال الرائد محمود مختار والتى قال فيها: لَقَد بَعَثَ اللَهُ عَهدَ الفُنونِ

وَأَخرَجَتِ الأَرضُ مَثّالَها

 

تَعالَوا نَرى كَيفَ سَوّى الصَفاةَ

 

فَتاةً تُلَملِمُ سِربالَها

 

دَنَت مِن أَبي الهَولِ مَشيَ الرَؤومِ

 

إِلى مُقعَدٍ هاجَ بَلبالَها

 

وَقَد جابَ في سَكَراتِ الكَرى

 

عُروضَ اللَيالي وَأَطوالَها

 

وَأَلقى عَلى الرَملِ أَرواقَهُ

 

وَأَرسى عَلى الأَرضِ أَثقالَها

 

يُخالُ لِإِطراقِهِ في الرِملِ

 

سَطيحَ العُصورِ وَرَمّالَها

 

فَقالَت تَحَرَّك فَهمَ الجَماد

 

كَأَنَّ الجَمادَ وَعى قالَها!

 

ثم تحدثت الدكتورة صفية القبانى حول ما قدمه الأديب والفنان الكبير جبران خليل جبران للعالم، من كتابات ولوحات ومنحوتات عكست جليّاً نظرته العميقة للحياة وبصيرته المنفتحة على الماورئيّات. وإن سلّط الدارسون الضّوء على كتابات جبران المبدع فكريّاً، فلا بدّ من تسليط الضّوء على جبران الرسّام الّذي ترك خمسماية وستّا وعشرين لوحة ورسماً أوصى بها مع أغراضه الشّخصية ومكتبته الخاصّة لماري هاسكل في تحيّة وفاء لما قدّمته له، قائلاً لها (إذا ما وجدت مناسباً إرسال الأغراض إلى بلدتي بشرّي هذا يعود إليك) . 

 

ماري هاسكل احتفظت بـأربع وثمانين لوحة ورسمة، وأرسلت أربعمائة واثنين وأربعين لوحة ورسماً إلى بشرّي في لبنان، لتفتتح بالأربع والثّمانين لوحة متحفاً خاصاً حمل اسمTel Fair Museum of Art، في مدينة سافانا بولاية جورجيا الاميركية. فيما اللوحات التي وصلت الى متحفه في بشري في لبنان يعرض منها القليل . 

 

لوحات جبران أشبه بأيقونات نقرأها، فوكأنّ ريشته تكتب الألوان فتبدع نصوصاً تقرأها البصيرة. وهي أشبه برؤى تتجلّى حقيقة في خطوط بسيطة تظهر حنّيّة شخصه الشّاعريّ فيلتقي في اللّوحة جبران الشّاعر والرّسّام . 

 

فيما أشارت الدكتورة أمل نصر إلى ما مثلته القصائد القصيرة (الهايكو) من علاقة وثيقة ربطت بين مدلولاتها و بين أعمال الرسم أو الحفر المصاحب لها؛ حيث تعكس الهايكو بقالبها البسيط نموذجًا مُصغرًا من العالم، ويأقل قدر ممكن من الكلمات، ترسم فضاءً شاسع المعنى أمام خيال القُرّاء، ثم تابعت مؤكدة أن قوة فن الرسام تكمن في الخيال الذي يسبغ على العمل التصويري عُمقا روحيا، يبعث المُتلقي على إعمال تفكيره، وذلك وفقًا لما قاله الفنان بودلير: “أبرز الصفات التي تجعل من ديلاكروا الرسام الحقيقي للقرن التاسع عشر، هي تلك الكآبة الفريدة والمُتعنتة، التي تنبعث من جميع أعماله، والتي نستشفها من خلال اختياره للمواضيع، تعابير الوجوه، الحركة، وكذا نمط الألوان، عند تأمل سلسلة لوحات ديلاكروا، يخيل إلينا أننا نشهد احتفاء بِغُمُوضٍ مُؤلم”، وفى مختتم حديثها أوضحت أن علاقة الشاعر الألماني راينر ريلكه بالنحات الفرنسي أوغست رودان كانت استثنائية في عالم الشعر والفن؛ فقد زار الشاعر الشاب ريلكه باريس عام 1902 وهو في السادسة والعشرين من عمره، بينما كان رودان في الواحدة والستين، وذلك ليقوم ببحث فني حول رودان وأعماله، لكن ريلكه كان يبحث آنذاك عن معلم ونموذج ليصبح شاعرًا أفضل، وتتابعت حوارات كثيرة وعميقة بين الرسام والشاعر، ووطدت علاقتهما، لكى تصل إلى أسئلة عن الفن والحياة والعلاقة بينهما، وما يثير فضول كل منهما، تلك العلاقة بين الفن والشعر وما يتوصل إليه ريلكه في أن حياة الفنان وعلاقته بعمله وحياته واحدة، مما يجعل حياته أشبه بلوحة تستحق التأمل . 

 

ختامًا ألقى الشاعر أحمد فضل شبلول مقطعًا من قصيدته “كل الألوان سواء”، التى نُشرت في ديوانه “ويضيع البحر”؛ حيث يقول فى قصيدته التى حمل ديوانه عنوانها: “ويضيع البحر” :

 

 دعوا هوىً ضيَّعه الأحبابُ مذ ليل طويل

 

فاليوم خمرٌ .. وغدًا ..

 

كم ضيَّعتْ ضربةُ موجٍ جزرا

 

كم غيَّبتْ قطرةُ ماءٍ سفنا

 

فاليوم خمر .. وغدا ليس ببحر

 

والماءُ قد مسَّته نارُ القبح

 

ومثلما يعودُ حزنُ الثَّكْلِ مختارًا إلى قلبي

 

تعودُ قطرةُ الفنا الأولى إلى شريانِ هذا البحر

 

أنا الذي ضيعتُه

 

أنا الذي غيَّمتُ هذا الفجر

 

أنا الذي غرَّبتُ هذي الشمسَ عن شطِّي

ثم اقتنعتُ بالزَّبَد!

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email