الدكروري يكتب عن مهارة وسياسة الخليفة عبد الملك. | جريدة اخر الاسبوع

الدكروري يكتب عن مهارة وسياسة الخليفة عبد الملك.

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ذكرت المصادر التاريخية عن الخليفة عبد الملك بن مروان بأنه ولم يظهر عبد الملك شجاعة ومقدرة ومهارة في القضاء على خصومه السياسيين فحسب، بل أظهر براعة في إدارة الدولة وتنظيمها، وكان شبيها في ذلك بمعاوية في كثير من الوجوه فقد استعان بنخبة من أمهر رجال عصره في الإدارة والسياسة مثل الحجاج بن يوسف الذي أخلص للخليفة وبذل أقصى جهده في تثبيت أركان دولته، كما اعتمد على رجال بيته من إخوته مثل عبد العزيز ومحمد وبشر وغيرهم، وكذلك اقتدى عبد الملك بمعاوية بن أبي سفيان في مباشرة أعمال دولته بنفسه وتصفح أمورها، فكان دائم المراقبة لعماله، ولم يكن يتوانى عن محاسبتهم مهما كانت أقدارهم، فحتى الحجاج بن يوسف رغم مكانته. 

 

لم يسلم من مساءلة عبد الملك له إذا قصر أو أخطأ، فيروى أن أنس بن مالك كتب إلى عبد الملك يشكو الحجاج، ويقول في كتابه لو أن رجلا خدم عيسى بن مريم أو رآه أو صحبه تعرفه النصارى، أو تعرف مكانه، لهاجرت إليه ملوكهم، ولنزل من قلوبهم المنزلة العظيمة، ولعرفوا له ذلك، ولو أن رجلا خدم موسى أو رآه تعرفه اليهود لفعلوا به من الخير والمحبة وغير ذلك ما استطاعوا، وإني خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا صاحبه، ورأيته، وأكلت معه، ودخلت وخرجت وجاهدت معه أعداء، وإن الحجاج قد أضر بي وفعل وفعل، فلما بلغ عبد الملك الكتاب بكى وغضب غضبا شديدا، وكتب على الفور إلى الحجاج بكتاب غليظ اللهجة، فلما جاءه الكتاب تغير، ثم قال لحامل الكتاب انطلق بنا إليه نترضاه.

 

ولم يكن عبد الملك بن مروان يسمح لأحد، أن يداهنه أو ينافقه، أو يضيع وقته فيما لا يفيد، فقد رُوي أن رجلا سأل عبد الملك أن يخلو به، فأمر عبد الملك من عنده بالانصراف، فلما خلا به، وأراد الرجل أن يتكلم قال له عبد الملك احذر من كلامك ثلاثا إياك أن تمدحني فإني أعلم بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأى لكذوب، أو تسعى إلي بأحد من الرعية فإنهم إلى عدلي وعفوي أقرب منهم إلى جوري وظلمي، وإن شئت أقلتك، فقال الرجل أقلني فأقاله، وكان من جهود عبد الملك في إرساء دعائم الوحدة والاستقرار في الدولة الإسلامية، إصدار عملة إسلامية لأول مرة وتوحيد أوزانها، ضمانا للعدالة، وكانت هذه خطوة حضارية كبيرة فقد حررت اقتصاد الدولة الإسلامية من الاعتماد على العملات الأجنبية.

 

وبصفة خاصة الدينار البيزنطي، ومن الأعمال الباهرة لعبد الملك تعريب دواوين الخراج، والذي كان العمل فيه حكرا على غير العرب، وكان هذا وضعا شاذا فجاءت خطوة عبد الملك لتصحح الوضع، وتفتح المجال أمام العرب المسلمين للعمل في هذا الديوان والتدريب على شئون المال والاقتصاد، وكانت تلك الخطوة ذات أثر حضاري كبير في التاريخ الإسلامي.

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email