شيطان على صورة امرأة – جريدة اخر الاسبوع

شيطان على صورة امرأة

بقلم عبدالحميد أحمد حمودة

كانت فتاة عادية كغيرها من الفتيات. عاشت وحيدة مع والديها دون إخوة أو أخوات. تحب المرح، اللعب والدراسة فقط، لا يشغل بالها أي شيء آخر.
كانت قريبة جدا من والدتها التي كانت تعتني بها فائق العناية، ولا ترفض لها أي طلب مهما كان.
أما والدها فكان يحبها كثيرا ويدللها كأنها أميرة.
كانت معاملة والديها لها تجعلها تعيش في سعادة تامة، إلى أن لاحظت دخول بعض التغيير المفاجئ إلى حياتهم الأسرية. تغيرت معاملة الأب وأصيبت الأم بحزن شديد. لم يكن الأمر معتادا بالنسبة لها، فقد أصبح والدها منشغلا كثيرا بحيث لم يعد يظهر في البيت إلا للنوم فقط.
لا أحد يعرف تفسيرا لما حدث. أثر عليها هذا كثيرا، وأصابها إحباط نفسي بالغ، خصوصا بعد أن مرضت أمها. كانت تمثل بالنسبة لها الحنان والأمان، هي ووالدها الذي صار يتجاهل وجودهما في حياته.
ـ” ابنتي العزيزة، لقد تدهورت صحتي كثيرا هذه الأيام، أخشى أن أموت فجأة وأتركك وحدك وأنت لازلت صغيرة لم تتجاوزي الستة عشر من عمرك. إنه ليحزنني أن تُحرمي من العناية والحنان الذي أمنحه لك.
ـ لا يا أمي، لا تقولي مثل هذا الكلام المؤلم، ستعيشين طويلا لأني مازلت في أشد الحاجة إليك.”
الإنسان يتمنى، لكن القدر يحكم. جاءت اللحظة القاسية، وماتت الأم بين ذراعي ابنتها، التي انهارت ولم تتقبل ما حدث. شعرت وكأنها فقدت حياتها كلها.
أقيمت جنازة للأم، وتم دفنها طبقا للطقوس المخصصة لذلك. أما الأب فقد عاد مرهقا من المدفن، مكث بعض الوقت بالبيت ثم غادره ليعود في منتصف الليل. اتجه نحو غرفته وأغلقها عليه إلى الصباح. قبل خروجه أخبر ابنته أنه سيسافر لبضعة أيام من أجل العمل، ووصاها أن تعتني بنفسها وتذهب عند إحدى خالاتها لحين عودته.
لكنها بقيت وحدها بالبيت منشغلة بالأنترنت إلى أن تعرفت على شاب اسمه سمير، من نفس عمرها على وسائل التواصل الاجتماعي. تطورت علاقتهما بدءًا من المقابلات المستمرة، وبمعرفته كل شيء عنها وعن حياتها.
مع مرور الأيام، تزوج الأب من المرأة التي كان يحبها قبل وفاة زوجته. بدأت الفتاة تظهر الكراهية الشديدة لهما وخصوصا لزوجة أبيها بالرغم من أنها كانت جميلة ولطيفة ثم لأنهما يعيشان معا في نفس المنزل.
كان ملاذها الوحيد، هو ذلك الشاب الذي ارتبطت به عاطفيا. كانت تخبره بكل شيء، وتلتقي به في كل وقت تشاء دون أي عائق. ومع تتابع الأيام زاد تطور العلاقة بينهما حتى صارت علاقة غير مقبولة.
كانا يلتقيان في المنزل عندما يكون خاليا، دون أن تهتم بما يقوله الناس عنها.
وذات يوم تعرفت على شاب آخر يدعى محمود، كانت قد صادفته في المنطقة التي كانت تعيش بها. تعرفا على بعضهما البعض من خلال العديد من اللقاءات التي حدثت بينهما، وهكذا شاركت معه حياتها كما فعلت في السابق مع صديقها الأول، الذي تجاهلته تماما. أخذ سمير يطاردها بإصرار وجرت بينهما محادثة:
ـ” ماذا تريد مني، أنا مخطوبة الآن وسأتزوج قريبا.
ـ كيف ذلك ونحن على علاقة منذ سنوات ليست بالقليلة؟ لن أترك هذا الأمر يمر بسلام ولن أتخلى عنك بهذه السهولة.”
كان الشاب غاضبا جدا، فتح صفحة للتواصل الاجتماعي باسمها ونزل فيها صورها ثم قام بإرسالها إلى صفحات كل معارفها وأقاربها وجيرانها.
عندما انتشر الأمر، صدر بلاغ بأنه سرق هاتفها ليستغل صورها في تشويه سمعتها. وخوفا من العقاب الذي سيتعرض له الشاب، فقد سوى والده الأمر مع والد الفتاة واتفقا على أن الشاب لن يتعرض لها مرة أخرى.
سئمت الفتاة من محمود وانتهت علاقتهما بعد أن تطورت كما حدث من قبل مع سمير.
حينها أجبرها والدها على الزواج من ابن عمها. أخذت في البداية تتعايش معه، لكن الزواج باء بالفشل، لأن زوجها لم يكن يثق بها.
بعد انفصالهما، التقت برجل آخر اسمه أحمد. أحبته كثيرا وهو أيضا كان يبادلها نفس الشعور، لذلك اتفقا عل الزواج.
كانت الحياة بينهما تسير على ما يرام، إلى أن بدأت تشعر بالاختناق واليأس الغير المبرر.حاول أحمد مساعدتها للخروج مما هي فيه، لكنها رفضت بشدة وطلبت منه أن يمنحها فرصة تسترجع من خلالها قوتها النفسية.
بعد مرور فترة من الزمن ولَّت إليه وكانت علاقتهما تسير بخير وسلام إلى أن اتصل سمير بصديقها.
ـ” علمت أنك تريد الارتباط بها وهي ترفضك وأنك تطاردها دائما.
ـ من أنت وكيف عرفت هذا؟
ـ منها، كنا نتشاجر وعادت إلي وأخبرتني عن رغبتك في الزواج بها.
ـ متى حدث هذا وماذا دار بينكما؟”
أخبره الشاب بكل شيء حدث بينهما وعلم منه أنها كانت في الفترة التي بعُدت فيها عنه لتراجع نفسها، كانت على اتصال به.
أدرك أحمد أنه يحب مخادعة كبيرة لا تحب إلا نفسها. واجهها بكل ما سمعه عنها.
ـ” لقد أخبرني سمير أنك كنت على اتصال به طيلة فترة غيابك عني إلى أن تشاجرتما ثم عدت إلي.”
بعد فترة من الصمت قالت له بأنها لا تعرف كيف حدث لها هذا وبأنها تعده أن لا يتكرر مثل هذا الشيء مرة أخرى.
استمع لها ولم يفصح عن كل ما عرفه عنها لأنه يحبها وقال في نفسه ربما كان الشاب يكذب.
مرت الأيام وبدأت تتجاهله مرة أخرى. قال لها:
ـ” أراك تبتعدين وتتجاهلينني من جديد.
ـ أحمد أنا بصراحة، لست مرتاحة بعلاقتي معك، لا أريد أن أستمر فيها واعلم أنني الآن مرتبطة وعلى وشك الزواج.”
لم يعلق وتركها وشأنها، إلى أن اتصل به سمير مرة أخرى.
ـ اعلم أنها كانت تكذب عليك كما كذبت علي.”
تحدثا عن أمور كثيرة كانت تخصها هي وأحمد وأنها ستتزوج من رجل آخر سيء السلوك.
عرف حينها أحمد حقيقتها الجلية بعد أن صَدَقَهُ سمير في الأخبار التي نقلها له، بحيث كانت أسرارا بينها وبينه لم يكن من السهل معرفتها أو الاطلاع عليها إلا عن طريق أحدهما.
خلا إلى نفسه وتذكر ما كان بينهما، بحيث كانت في بعض المرات تتحدث عن أشياء غريبة بتمرد لأن أهدافها كانت شيطانية.
حمد الله أنه تخلص منها ومن شرورها وأدرك أنها امرأة نرجسية لا تحب إلا نفسها.
إنها صورة مطابقة للشر بالرغم من أن الله فتح أمامها مرارا، أبوابا كثيرة للنجاة مما هي فيه، لكنها كانت ترفض انتهاز هذه الفرص للعدول على ما هي غارقة فيه.
بعد زواجها اتصلت بأحمد تستغيث به كي ينقذها من زوجها الخبيث، لأنه شيطاني.
اتصلت أيضا بسمير ومحمود لإنقاذها لكنهما لم يعيراها أي اهتمام، لأنهما كانا يعلمان حقيقتها جيدا وبأن كل هدفها هو التمكن من الرجوع إلى أحد منهما، كما كانت تفعل فيما قبل عندما لم يكونوا على معرفة ببعضهم البعض. كانت مثل الشيطان الذي يلتف حول فريسته لإرضاء نفسه ورغباته قصد تحقيق أهدافه.

Please follow and like us:
Pin Share
مصر الطقس من أخر الأسبوع
RSS
Follow by Email